الأدلة المثبتة لعدد الأنبياء والرسل
وقد جاء في حديث أبي ذر ذكر عدد الأنبياء؛ فقد سأل رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: {يا رسول الله! كم الأنبياء؟ فقال: مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً. قال: كم الرسل منهم؟ قال: ثلاثمائة وبضعة عشر} فالقول بأن الحديث صحيح يوجب الإيمان بمائة ألف وأربعة وعشرين ألف نبي، أما القول بضعفه فيلزم منه العمل بقول المصنف هنا: [فعلينا الإيمان بهم جملة]، وقد ورد ذكر عددهم في أحاديث أخرى وذلك بأنهم ثمانية آلاف، وهي أحاديث ضعيفة أيضاً، وهذه الأحاديث ذكرها ابن كثير رحمه الله في تفسيره، عند قوله تعالى: ((وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ))[النساء:164]. وذُكر أن الإمام أحمد رحمه الله تعالى كان يرى صحة عددهم، كما نقل عنه شيخ الإسلام، فالإمام أحمد يرى صحة حديث أبي ذر رضي الله تعالى عنه، ومن العلماء من لا يراه، فعلى أية حال نحمل قول المصنف: [لأنه لم يأت في عددهم نص] بأن المراد لم يصح عنده ما ورد في ذلك، والحديث الوارد بأن عددهم ثمانية آلاف هو حديث ضعيف لا يقبل مطلقاً، لكن حديث أبي ذر هو الذي وجد من حَسَّنه بمجموع طرقه.
قال تعالى: ((وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ))[غافر:78].
إذاً: فقد أخبر الله تعالى في صريح القرآن أن من الرسل من لم يقصص الله سبحانه وتعالى علينا أخبارهم، إذ القرآن ليس المقصود منه الاستيفاء، بل تجد فيه أن الآيات موجزة وأنها تأتي بمواضع العبرة والعظة، وتترك ما لا حاجة لذكره، وتذكر ما يحتاجه السياق، حتى إنك تجد قصة موسى أو غيره مجملة في موضع، ومفصلة في موضع آخر بحسب المقام والحال، وبحسب وقت الخطاب، إلى آخر ذلك من الاعتبارات الكثيرة، وأنزل الله تعالى سورة يوسف، وفيها تلك القصة الطويلة والعجيبة، ببلاغة لا نظير لها على الإطلاق، قصة لا تمل قراءتها ولا تكرارها، وتتداخل فيها مسائل الإيمان والتوحيد مع القصة، وليس فيها ما لا داعي لذكره، وما كان مهماً ويجدر ذكره؛ فقد ذكرته السورة على نفس النمط القرآني المعروف.
فالله سبحانه وتعالى جعل هذا القرآن كتاب هداية، فيذكر الله تعالى فيه ما يهم السامعين الذين أنزل عليهم، أما ما عدا ذلك من التفاصيل فلا تهمنا : ((تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ))[البقرة:134]، بل المهم العبرة، كما أخبر الله عن عاد بقوله: ((الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ))[الفجر:8]، فليس من المهم أن نعرف أن طول أحدهم عشرون ذراعاً أو ألف ذراع مثلاً، فهذا لم يأت فيه شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا الصحابة، أو من بعدهم، فهذه الأخبار لا مجال للرأي فيها، فهي أمور غيبية تحتاج إلى دليل صحيح، وأقل ما يقال فيها أنها تفصيلات لا يحتاج إليها، فالعبرة قائمة بما ذكر الله تعالى في القرآن، وبما فصل النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام في تفسير ذلك، أو بالزيادة عليه، كما نجد مثلاً في قصة الخضر وموسى عليها السلام فإن القرآن أجملها، والنبي صلى الله عليه وسلم في الروايات الصحيحة كما في صحيح البخاري وغيره فصَّل ما ورد في القرآن، وهذا يكفينا، والعبرة قائمة في ذلك، وما عداه لا يحتاج إليه، فمثلاً: ما اسم الرجل الصالح الذي وضع كنزه تحت الجدار؟ ومن هو الغلام الذي قتله الخضر؟ ومن أي صنف هو؟ ومن أي قبيلة؟ فالمهم هو حصول العبرة والعظة، وهذا هو المقصود من القصة في القرآن.